الاستخراج في اصطلاح المحدثين: أن يعمد حافظ من الحفاظ إلى كتاب من كتب الحديث كصحيح البخاري أو صحيح مسلم، أو غيرهما من الكتب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه، من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه.
ولو في الصحابي مع رعاية ترتيبه ومتونه وطرق أسانيده، وشرطه ألا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندًا يوصله إلى الأقرب ما لم يكن هناك عذر من علو في السند أو زيادة مهمة في المتن.
وربما أسقط المستخرِج أحاديث لم يجد له بها سندًا يرتضيه، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب الذي يستخرج عليه، وقد صنف كثير من العلماء في هذا النوع على الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث.
المستخرجات على صحيح البخاري: وهي كثيرة منها:
1- مستخرج الحافظ أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني المتوفى سنة (371 هـ) ، قال الذهبي: ابتهرت بحفظه، وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة.
2- مستخرج الحافظ أبي بكر البرقاني المتوفى سنة (425 هـ) .
3- مستخرج الحافظ أبي بكر بن مردويه الأصبهاني الكبير صاحب التاريخ والتفسير المسند، المتوفى سنة (416 هـ) ، وهو غير الحافظ ابن مردويه محدث أصبهان، فإنه حفيد الكبير، ولم يلحق جده، توفي سنة (498 هـ) .
4- مستخرج الغطريفي المتوفي سنة (377 هـ) .
5- مستخرج الحافظ أبي عبد الله محمد بن العباس المعروف بـ ابن أبي ذهل الهروي المتوفى سنة (378 هـ) .
المستخرجات على صحيح مسلم: وهي كثيرة منها:
1- مستخرج الحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني المتوفى سنة (316 هـ) ، روى فيه عن يونس بن عبد الأعلى وغيره من شيوخ مسلم.
2- مستخرج الحافظ أبي بكر محمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الحافظ، توفي سنة (286 هـ) ، ويشارك الإمام مسلم في أكثر شيوخه.
3- مستخرج الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي النسيابوري المتوفى سنة (388 هـ) ، وجوزق قرية من قرى نيسابور.
4- مستخرج الحافظ أحمد بن سلمة النيسابوري البزار المتوفى سنة (286 هـ) ، وهو رفيق مسلم في الرحلة إلى بلخ والبصرة.
المستخرجات على الصحيحين: ومنها:
1- مستخرج الحافظ محمد بن يعقوب الشيباني النيسابوي المعروف بابن الأخرم المتوفى سنة (344 هـ) .
2- مستخرج الحافظ أبي ذر الهروي المتوفى سنة (434 هـ) .
3- مستخرج الحافظ أبي محمد البغدادي، المعروف بالخلَّال، المتوفى سنة (439 هـ) .
4- مستخرج الحافظ أبي علي الماسرجسي النيسابوري، المتوفى سنة (365 هـ) ، أسلم جده ماسرجس - وكان نصرانيـ اـ على يد عبد الله بن المبارك.
5- مستخرج الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى (430 هـ) ، هؤلاء الأئمة خرَّج كل واحد منهم على كل من الصحيحين منفردًا، ومن العلماء من استخرج عليهما معا في كتاب واحد كأبي بكر بن عبدان الشيرازي المتوفى سنة (388 هـ) .
حكم الرواية عن الكتب المستخرجة:
لم يلتزم واحد من هؤلاء الأئمة موافقة الكتاب الأصلي في ألفاظ الحديث، لأنهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم، فحصل فيها تفاوت قليل في الألفاظ، وتفاوت أقل منه في المعاني.
فلا يجوز لمن ينقل عن أحد هذه الكتب المستخرجة حديثـ ا ثم ينسبه إلى الصحيحين مثلاً، ويقول هو هكذا فيهما إلا أن يقابله بهما، أو يكون صاحب الكتاب المستخرج قد صرح بأنه استخرجه بلفظه كأن يقول: أخرجه البخاري بلفظه.
فوائد المستخرجات:
1- ما يقع فيها من زيادات في الأحاديث لم تكن بالأصل، وإنما وقعت لهم تلك الزيادات؛ لأنهم لم يلتزموا إيراد ألفاظ الأصل بل الألفاظ التي وقعت لهم بالرواية عن شيوخهم.
2- علو الإسناد لأن صاحب المستخرج لو روى الحديث من طريق صاحب الأصل لوقع أنزل من الطريق الذي يرويه به في المستخرج.
3- تقوية الحديث بكثرة الطرق، وربما ساق له طرقـ ا أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه كما يصنع أبو عوانة.
4- أن يكون صاحب الأصل قد روى عمن اختلط، ولم يبين أن السماع منه كان قبل الاختلاط أو بعده، فيبينه المستخرِج صريحـ ا أو بالرواية عمن لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط.
5- أن يروي صاحب الأصل عن مدلِّس بالعنعنة، فيرويه صاحب المستخرج مع التصريح بالسماع أو نحوه.
6- أن يروي صاحب الأصل الحديث عن مبهم كحدثنا رجل أو غير واحد فيعينه المستخرج.
7- أن يروي صاحب الأصل عن مهمل كحدثنا محمد من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المحمدين فيميزه المستخرِج.
8- أن يكون في الأصل حديث مخالف لقاعدة اللغة العربية يتكلف لتوجيهه ويتحمل لتخريجه، فيجئ من رواية المستخرج على القاعدة فيعرف بأنه هو الصحيح، وأن الذي في الأصل قد وقع فيه الوهم من الرواة.
9- قال العلامة ابن حجر: وكل علة أُعِلَّ بها الحديث في أحد الصحيحين وجاءت رواية المستخرَج سالمة منها فهي من فوائده وذلك كثير جدًا أهـ .
حكم الزيادة الواقعة في الكتب المستخرجة على الصحيحين:
ذهب الإمام ابن الصلاح في مقدمته عند الكلام على فوائد الكتب المستخرجة إلى أن الزيادة الواقعة في المستخرجات لها حكم الصحيح؛ لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما أو خارجة من ذلك المخرج الثابت.
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر فقال: هذا مسلَّم في الرجل الذي التقى فيه إسناد المستخرج، وإسناد مصنف الأصل بعده، وأما من بين المستخرج وبين ذلك الرجل فيحتاج إلى نقد؛ لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك، وإنما جل قصده العلو، فإن حصل وقع على غرضه، فإن كان مع ذلك صحيحـ ا أو فيه زيادة فزيادة حسن حصلت اتفاقـ ا وإلا فليس ذلك همته أهـ .
ثم إن الكلام إنما هو في الزيادة التي تقع تتمة لمحذوف في أحاديث الصحيحين ونحو ذلك، أما زيادة أحاديث بتمامها فلا ريب أنها تتْبع قوة السند وضعفه، فقد تكون صحيحة، وقد تكون حسنة أو ضعيفة، وقد وقع في مستخرج أبي عوانة أحاديث كثيرة زائدة على أصله من هذا النوع الأخير، وفيها الصحيح، والحسن، والضعيف.
المصدر: موقع إسلام ويب